الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
على أن هذا البيت منفصل، فهو أبعد لكن ضرورة الشعر تسامح به، ثم ذكر تعالى أمر القيامة، و{الصور}: القرن الذي ينفخ فيه، قال سليمان بن أرقم: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن {الصور} فقال: «هو قرن من نور فمه أوسع من السماوات»، والنفخة المشار إليها في هذه الآية، نفخة القيامة التي للفزع ومعها يكون الصعق، ثم نفخة البعث، وقيل: هي نفخات ثلاثة: نفخة الفزع ونفخة الصعق ثم نفخة البعث، والإشارة بآياتنا هذه إلى نفخة الفزع، لأن حمل الجبال هو بعدها. وقرأ الجمهور: {نفخةٌ} بالرفع، لما نعت صح رفعه، وقرأ أبو السمال: {نفخة واحدة} بالنصب. وقرأ جمهور القراء: {وحملت} بتخفيف الميم بمعنى حملتها الرياح والقدرة، وقرأ ابن عباس فيما روي عنه: {وحمّلت} بشد الميم، وذلك يحتمل معنيين أحدهما أنها حاملة حملت قدرة وعنفا وشدة نفثها فهي محملة حاملة. والآخر أن يكون محمولة حملت ملائكة أو قدرة. وقوله تعالى: {فدكتا} وقد ذكر جمعا ساغ، ذلك لأن المذكور فرقتان وهذا كما قال الشاعر القطامي: الوافر: ومنه قوله تعالى: {كانتا رتقا} [الأنبياء: 30] و{دكتا} معناه: سوى جميعها كما يقال: ناقة دكا: إذا ضعفت فاستوت حدبتها مع ظهرها، و{الواقعة}: القيامة والطامة الكبرى، وقال بعض الناس: هي إشارة إلى صخرة بيت المقدس وهذا ضعيف، وانشقاق السماء هو تفطيرها وتمييز بعضها عن بعض وذلك هو الوهي الذي ينالها كما يقال في الجدارات البالية المتشققة واهية، {والملك} اسم الجنس يريد به الملائكة، وقال جمهور المفسرين: الضمير في {أرجائها} عائد على {السماء} أي الملائكة على نواحيها وما لم يهِ منها والرجا: الجانب من الحائط والبئر ونحوه ومنه قول الشاعر المرادي: الطويل: أي يلقى في بئر فهو لا يجد ما يتمسك به. وقال الضحاك أيضا وابن جبير: الضمير في {أرجائها} عائد على الأرض وإن كان لم يتقدم لها ذكر قريب لأن القصة واللفظ يقتضي إفهام ذلك، وفسر هذه الآية بما روي أن الله تعالى يأمر ملائكة سماء الدنيا فيقفون صفا على حافات الأرض ثم يأمر ملائكة السماء الثانية فيصفون خلفهم ثم كذلك ملائكة كل سماء، فكلما فر أحد من الجن والإنس وجد الأرض قد أحيط بها، قالوا فهذا تفسير هذه الآيات، وهو أيضا معنى قوله تعالى: {وجاء ربك والملك صفا صفا} [الفجر: 22] وهو أيضا تفسير قوله {يوم التناد يوم تولون مدبرين} [غافر: 32-33] على قراءة من شد الدال، وهو تفسير قوله: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا} [الرحمن: 33]، واختلف الناس في الثمانية الحاملين للعرش، فقال ابن عباس: هي ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم أحد عدتهم. وقال ابن زيد: هم ثمانية أملاك على هيئة الوعول، وقال جماعة من المفسرين: هم على هيئة الناس، أرجلهم تحت الأرض السفلى ورؤوسهم وكواهلهم فوق السماء السابعة. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «هم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة قواهم الله بأربعة سواهم». والضمير في قوله: {فوقهم} للملائكة الحملة، وقيل للعالم كله وكل قدرة كيفما تصورت فإنما هي بحول الله وقوته.{يوْمئِذٍ تُعْرضُون لا تخْفى مِنْكُمْ خافِيةٌ (18)}الخطاب في قوله تعالى: {تعرضون} لجميع العالم، وروي عن أبي موسى الأشعري وابن مسعود أن في القيامة عرضتين فيهما معاذير وتوقيف وخصومات وجدال، ثم تكون عرضة ثالثة تتطاير فيها الصحف بالأيمان والشمائل. وقرأ حمزة والكسائي: {لا يخفى}، بالياء وهي قراءة علي بن أبي طالب وابن وثاب وطلحة والأعمش وعيسى، وقرأ الباقون: بالتاء على مراعاة تأنيث {خافية} وهي قراءة الجمهور، وقوله تعالى: {خافية} معناه ضمير ولا معتقد، والذين يعطون كتبهم بأيمانهم هم المخلدون في الجنة أهل الإيمان. واختلف العلماء في الفرقة التي ينفذ فيها الوعيد من أهل المعاصي متى تأخذ كتبها، فقال بعضهم الأظهر أنها تأخذها مع الناس، وذلك يؤنسها مدة العذاب، قال الحسن: فإذا أعطى كتابه بيمينه لم يقرأه حتى يأذن الله تعالى له، فإذا أذن له قال: {هاؤم اقرؤوا كتابيه}، وقال آخرون: الأظهر أنه إذا أخرجوا من النار والإيمان يؤنسهم وقت العذاب.قال القاضي أبو محمد: وهذا ظاهر هذه الآية، لأن من يسير إلى النار فكيف يقول: {هاؤم اقرؤوا كتابيه}؟ وأما قوله {هاؤم}، فقال قوم: أصله هاوموا، ثم نقله التخفيف والاستعمال، وقرأ آخرون هذه الميم ضمير الجماعة، وفي هذا كله نظر. والمعنى على كل تعالوا، فهو استدعاء إلى الفعل المأمور به، وقوله تعالى: {اقرؤوا كتابيه} هو استبشار وسرور، وقوله: {ظننت} الآية، عبارة عن إيمانه بالبعث وغيره، قال قتادة: ظن هذا ظنا يقينا فنفعه، وقوم ظنوا ظن الشك فشقوا به، و{ظننت} هنا واقعة موقع تيقنت وهي في متيقن لم يقع بعد ولا خرج إلى الحس، وهذا هو باب الظن الذي يوقع موقع اليقين، وقرأ بعض القراء: {كتابيهْ} و{حسابيهْ} و{ماليهْ} و{سلطانيهْ} بالهاء في الوصل والوقف اقتداء بخط المصحف، وهي في الوصل بينة الوقوف لأنها هاء السكت، فلا معنى لها في الوصل، وطرح الهاءات في الوصل لا في الوقف الأعمش وابن أبي إسحاق، قال أبو حاتم: قراءتنا إثبات في الوقف وطرح في الوصل، وبذلك قرأ ابن محيصن وسلام، وقال الزهراوي في إثبات الهاء في الوصل لحن لا يجوز عنه أحد علمته، و{راضية} معناه: ذات رضى فهو بمعنى مرضية، وليست بناء اسم فاعل، و{عالية} معناه في المكان والقدر وجميع وجوه العلو، و(القطوف): جمع قطف وهو يجتنى من الثمار ويقطف، ودنوها: هو أنها تأتي طوع المتمنى فيأكلها القائم والقاعد والمضطجع بفيه من شجرتها، و{أسلفتم} معناه: قدمتم: و{الأيام}: هي أيام الدنيا لأنها في الآخرة قد خلت وذهبت. وقال وكيع وابن جبير وعبد العزيز بن رفيع: المراد {بما أسلفتم} من الصوم وعمومها في كل الأعمال أولى وأحسن. اهـ.
وقد ورد الظنّ في القرآن مجملا على أربعة أوجه:بمعنى اليقين، وبمعنى الشكّ، وبمعنى التُهمة، وبمعنى الحُسْبان.فالذي بمعنى اليقين في عشرة مواضع: {يظُنُّون أنّهُم مُّلاقُواْ ربِّهِمْ} {وظنّ أنّهُ الْفِراقُ}، {إِنِّي ظننتُ أنِّي مُلاقٍ حِسابِيهْ}، {وأنّا ظننّآ أن لّن نُّعْجِز اللّه فِي الأرْضِ}، {ألا يظُنُّ أُوْلائِك أنّهُمْ مّبْعُوثُون}، {وظنُّواْ ما لهُمْ مِّن مّحِيصٍ}، {وظنُّواْ أنّهُمْ أُحِيط بِهِمْ}، يعنى رُكّاب السّفن في البحر.{وظنُّواْ أن لاّ ملْجأ مِن اللّهِ إِلاّ إِليْهِ}، يعنى المتخلِّفين من غزوة تبُوك.{إِن ظنّآ أن يُقِيما حُدُود اللّهِ}، {وظنّ داوُودُ أنّما فتنّاهُ}.وأمّا الذي بمعنى الشكّ والتُهمة فعل وجوه مختلفة: {فظنّ أن لّن نّقْدِر عليْهِ}: لن نضيّق عليه.{من كان يظُنُّ أن لّن ينصُرهُ اللّهُ}، {وتظُنُّون بِاللّهِ الظُّنُوناْ}، يعنى في حرْب الأحزاب، {إِنْ هُمْ إِلاّ يظُنُّون} يعنى اليهود.{ولقدْ صدّق عليْهِمْ إِبْلِيسُ ظنّهُ}، {وظننتُمْ ظنّ السّوْءِ} يعنى المنافقين في حقّ المؤمنين.{الظّآنِّين بِاللّهِ ظنّ السّوْءِ}، {يظُنُّون بِاللّهِ غيْر الْحقِّ ظنّ الْجاهِلِيّةِ}.{إِن نّظُنُّ إِلاّ ظنّا}، يعنى في حقّيّة البعث، {وظنُّواْ أنّهُمْ مّانِعتُهُمْ حُصُونُهُم مِّن اللّهِ} يعنى بنى قُريْظة وحصونهم.{إِنّ الظّنّ لا يُغْنِي مِن الْحقِّ شيْئا}.{وأنّا ظننّآ أن لّن تقول الإِنسُ والْجِنُّ على اللّهِ كذِبا}، {وأنّهُمْ ظنُّواْ كما ظننتُمْ}.{إِنّهُ ظنّ أن لّن يحُور * بلى} يعنى أبا جهل ظنّ أن لا يعاد.وقوله تعالى: {وما هُو على الْغيْبِ بِضنِينٍ} يعنى أنّ النبي صلى الله عليه وسلم غيرُ متّهم فيما يقول.والظنّ في كثير من الأُمور مذموم، ولهذا قال تعالى: {وما يتّبِعُ أكْثرُهُمْ إِلاّ ظنّا إِنّ الظّنّ لا يُغْنِي مِن الْحقِّ شيْئا}، وقال تعالى: {اجْتنِبُواْ كثِيرا مِّن الظّنِّ إِنّ بعْض الظّنِّ إِثْمٌ}.وفيه ظِنّه، أى تُهمة.وهو ظِنّتى، أى موضع تُهْمتى.وبئر ظنُونٌ: لا يُوثقُ بمائها.ورجل ظنُونٌ: لا يوثق بخبره.وهو مظِنِّة للخير، وهو من مظانّه.وظننْت به الخير فكان عند ظنِّى. اهـ.
|